2007/01/06

أحداث سليمان










أحداث سليمان تطرح أسئلة كبيرة على ضمير الحاكمين
رشيد خشانة

تكثر اللوحات المُشيرة إلى اتجاهات مُختلفة في مدخل بلدة سليمان الواقعة على بعد 30 كيلومترا جنوب العاصمة، فالمدينة هي عُقدة شرايين الطرقات التي تنطلق من سفوح جبال بوقرنين نحو مدن الوطن القبلي وخاصة منزل بوزلفى وقليبية والهوارية. لا شيء يدل على أن هذه البيوت الناعسة بين البحر والجبل شهدت أعنف المعارك بين قوات الجيش والعناصر المسلحة الآتية من الجبال، فالسابقة الوحيدة في هذا المجال تعود إلى أكثر من ربع قرن عندما كانت مدينة قفصة مسرحا لمواجهات استمرت ثلاثة أيام في سنة 1980 بين قوات الجيش بقيادة رئيس الأركان آنذاك الجنرال عبد الحميد الشيخ ومعارضين للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة تلقوا تدريبا وتسليحا في ليبيا

هذه المرة لم يكن المسلحون قوميين ولم يوجد بينهم سجناء سابقون مثل عزالدين الشريف وأحمد المرغني اللذين قادا عملية قفصة وحُكم عليهما بالإعدام. كانت العناصر التي نزلت من الجبال المجاورة لسليمان سلفية متشددة هذه المرة، لكن لم يُعرف اسم التنظيم الذي تنتمي إليه في ظل التعتيم الإعلامي الذي أرخى ستائره على وقائع هذه القضية على رغم خطورتها البالغة. ووصف الموظف سمير ج. الذي تابع الأحداث من بيته تلك العناصر بكونها ملتحية مؤكدا أن الإشتباكات جرت على حلقتين الأولى في حي غرة جوان يوم الثلاثاء، أما في اليوم الموالي فانتقلت المعارك التي امتدت من الرابعة فجرا حتى العاشرة مساء إلى فيلا مهجورة متكونة من طابقين في حي مجاور تحصن فيها المسلحون الذين نجوا من الإشتباكات الأولى

وزارت "الموقف" الفيلا التي كانت تحمل آثار معارك طاحنة وهي تقع على الشارع العمومي وفيها جُرح قائد المجموعة .... .و تم أسره قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. وأكدت مصادر في الحي أنه ينحدر من مدينة بئر الباي القريبة من سليمان، وتردد أنه رجل أمن سابق تطوع للقتال مع السلفيين في أفغانستان والجزائر. أما مساعده الذي قٌتل يوم الثلاثاء فوق سطح بيته فهو ..... ( .....) الذي كان غادر المدينة لاستكمال دراسته الجامعية في ولاية قفصة وانخرط هناك في صفوف الجهاديين. وقالت السيدة عزيزة س. إن ..... درس مع ابنتها التي تتابع الدراسة حاليا في فرنسا وهي لم تكن تتوقع أن "ولدا مُهذبا ينتمي إلى أسرة معروفة سينضم يوما إلى الإرهابيين" على حد تعبيرها

وفي معلومات الأهالي الذين تحدثوا ل"الموقف" أن عناصر الجماعة الذين قُدر عددهم ب32 عنصرا كانوا يتدربون في الجبال القريبة وخاصة في جبل الرصاص وعين طبرنق منذ نحو سنة ونصف السنة، ولم تكتشف سلطات الأمن وجودهم سوى من خلال العنصر الذي كان ينزل يوميا إلى حمام الأنف ليشتري الخبز بكميات كبيرة لفتت انتباه الخبَاز. وهكذا تابعت أجهزة الأمن البحث عن رأس الخيط حتى تعرفت على المعسكر الذي أقامته الجماعة في محيط جبل الرصاص، فحصل الإشتباك الأول مع قوات الحرس يوم 23 من الشهر الماضي والذي ذكر البيان الرسمي الأول أنه أسفر عن مقتل اثنين من المسلحين واعتقال اثنين آخرين. لكن على رغم تطويق المنطقة بعناصر من الحرس الوطني والشرطة والدفع بتعزيزات من الجيش في حافلات شركات النقل، وعلى رغم اللجوء للمروحيات لاستكشاف الأماكن القريبة، استطاع عناصر المجموعة النزول إلى سليمان وكانوا مُجهَزين بأسلحة متطورة من ضمنها رشاشات من نوع كلاشنكوف وقنابل يدوية وصواريخ أر بي جي، مما حمل الجيش على استخدام أسلحة ثقيلة للسيطرة على الوضع

وقال شاهد عيان إن ..... قُتل بعد صعوده إلى سطح منزل الأسرة وإمطار القوات التي كانت تحاصره بالقنابل من سلاح آلي ، وهذا ما يطرح أسئلة كبيرة عن ظروف إدخال هذه الأسلحة إلى داخل البلاد من دون أن ينتبه من يُفترض أنهم ساهرون على معرفة الصغيرة والكبيرة؟ وكذلك أسئلة أخرى تتعلق بالأسباب التي دفعت هؤلاء التونسيين إلى اختيار النهج المسلح، في وقت أقفلت فيه فضاءات العمل الشرعي في البلاد أمام الشباب واستوى القانوني مع غير القانوني تقريبا في انعدام فرص التعبير في وسائل الإعلام، وبخاصة المسموعة والمرئية وفي إمكانات النشاط في الفضاءات العمومية، وصار المعارضون بمن فيهم الإسلاميون المعتدلون مُطاردين في كل مكان. أسئلة سنعود إليها في مقال مُقبل من وحي أحداث سليمان التي تشكل علامة بعيدة الدلالات في حياتنا الوطنية، وينبغي أن تكون وخزة ضمير لحكامنا علَهم يُفيقون من السبات

السبت 6 جانفي - كانون الثاني 2007
بقلم : رشيد خشان